جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
المسلمون في بورما لا بواكي لهم مقال بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد، يبين قصة مأساة مسلمي بورما أو ميانمار.. فما مأساة مسلمي بورما؟ وما دورنا نحوهم؟
انتشرت على شبكة الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة - صورٌ تعبِّر عن إبادة جماعية للمسلمين في بورما، دون أن نسمع أو نشاهد أي ردّ فعل عربي أو إسلامي أو دولي نحو ما يجري هناك.
ميانمار أو بورما هي من الدول التي يجهل الناس عنها تقريبًا كل شيء، ولا تظهر في الأخبار إلا مع الكوارث، وهي محكومة بمجموعة من الجنرالات منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، ومن أكثر دول العالم فقرًا، وهي متعددة الإثنيّات، والقومية الأساسية فيها هي البامار، ومنها اشتق اسمها بورما، وهو اسم استعماري من صياغة ونحت البريطانيين الذين حكموها لفترة طويلة؛ بسبب موقعها الإستراتيجي وحدودها مع الهند، وهي بلد غني ومواردها كبيرة وفيها بترول والزراعة من مواردها الأساسية.
وتوجد بها قومية صغيرة، أصلها من بنجلاديش اسمها "الروهينجا" يسكنون في شمال بورما على الحدود مع بنجلاديش في منطقة تسمى "أراكان"، وهي عليها صراع بين الفريقين في ملكيتها، ويزعم القائمون على بورما أنَّ "الروهينجا" نازحون من بنجلاديش، في الوقت الذي تتبرأ منهم بنجلاديش وتقول إنهم بورميون، وهذه هي لبّ المشكلة فيما أعلم، بالإضافة إلى أنهم مسلمون.
ويعيش في ميانمار حوالي 800 ألف مسلم من "الروهينجا" في ولاية "أراكان"؛ حيث تعتبرهم الأمم المتحدة إحدى أكثر الأقليات تعرضًا للاضطهاد في العالم.
ويقال: إن سبب الأزمة الأخيرة أنه في بداية شهر (حزيران) يونيو 2012م، أعلنت الحكومة البورمية أنها ستمنح بطاقة المواطنة للعرقية الروهنجية المسلمة في أراكان، فغضب البوذيون كثيرًا بسبب هذا الإعلان؛ لأنهم يدركون أنه سيؤثر في حجم انتشار الإسلام في المنطقة، فخططوا لإحداث الفوضى، فهاجم البوذيون حافلة تقلّ عشرة علماء مسلمين كانوا عائدين من أداء العمرة، شارك في المذبحة أكثر من 450 بوذيًّا، ثم رُبط العلماء العشر من أيديهم وأرجلهم وانهال عليهم الـ 450 بوذيًّا ضربًا بالعصيّ حتى استشهدوا.
ولكي يجد البوذيون تبريرًا، قالوا إنهم فعلوا ذلك انتقامًا لشرفهم بعد أن قام شاب مسلم باغتصاب فتاة بوذية وقتلها، وكان موقف الحكومة مخزيًّا للغاية، فقد قررت القبض على 4 مسلمين بحجة الاشتباه في تورطهم في قضية الفتاة، وتركت الـ 450 قاتلاً بدون عقاب.
وفي يوم الجمعة 3 يونيو 2012م أحاط الجيش بالمساجد تحسبًا لخروج مظاهرات بعد الصلاة، ومنعوا المسلمين من الخروج دفعة واحدة، وأثناء خروج المسلمين من الصلاة ألقى البوذيون الحجارة عليهم واندلعت اشتباكات قوية، ففرض الجيش حظر التجول، وشدده على المسلمين فيما ترك البوذيون يعيثون في الأرض فسادًا، ويتجول البوذيون في الأحياء المسلمة بالسيوف والعصي والسكاكين ويحرقون المنازل ويقتلون من فيها أمام أعين قوات الأمن، وبدأ العديد من مسلمي أراكان في الهروب ليلاً عبر الخليج البنغالي إلى الدول المجاورة، ويموت الكثير منهم في عرض البحر.
وسط التعتيم الإعلامي الشديد على قضية بورما في أراكان يتعرض أهلها لعملية إبادة ممنهجة، راح ضحيتها أكثر من 2000 مسلم وتشريد ما يزيد عن 90000 منهم، دعا رئيس ميانمار السفاح "ثين سين" خلال لقائه مع المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين "أنتونيو جيتيريس" يوم الأربعاء 11 يوليو/ تموز، إلى تجميع أعضاء الأقلية المسلمة في ميانمار التي تعرف بـ"الروهينجا" في معسكرات لاجئين، لحين طردهم خارج البلاد؛ حيث قال إنه "ليس ممكنًا قبول الروهينجا الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، وهم ليسوا من أثنيتنا"، ثم أردف أنهم "يشكّلون خطرًا على الأمن القومي".
ويجب علينا كعرب ومسلمين وأحرار في كل مكان في العالم ما يلي:
1- أن يقوم المسلمون وأحرار العالم بمحاصرة كل سفارات بورما في أنحاء العالم، والضغط عليها حتى يتوقف نزيف الدم.
2- أن تقوم الدول الإسلامية والعربية بطرد سفراء بورما لديهم وسحب سفرائهم من هناك، وقطع العلاقات تمامًا؛ حتى يكفوا أيديهم عن المسلمين.
3- أن يُظهِر المسلمون وشرفاء الإنسانية غضبهم في كل مكان؛ احتجاجًا على هذه الإجرام والإبادة الوحشية.
4- أن تضع منظمة التعاون الإسلامي حلولاً عملية ناجزة في مؤتمرها القريب القادم في أواخر شهر رمضان الجاري؛ لإنهاء هذه المأساة، بما يحقق ردع المعتدين وكفّ أيديهم.
5- أن جزءًا كبيرًا من الدعم الحقيقي لقضيتهم يكون بالاستثمار في تلك المنطقة من قِبل دول غنية إسلامية، واشتراط تحسين أوضاعهم المعيشية والسياسية على حكومة بورما، وبخاصة أنها تخضع لعقوبات دولية مستمرة وحالتها كرب.
نسأل الله تعالى أن يكشف كربهم، وينفِّس همهم، ويحقن دماءهم، ويهلك أعداءهم.
بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد(1)
(1) رئيس مركز بناء للبحوث والدراسات.
التعليقات
إرسال تعليقك